خبراء الاقتصاد يؤكدون تحسن الاقتصاد المصري وضرورة استمرار الإصلاحات الهيكلية

خبراء الاقتصاد يؤكدون تحسن الاقتصاد المصري وضرورة استمرار الإصلاحات الهيكلية

عمر الشنيطي: تراجع تكلفة الاقتراض عالميا انعكس إيجابا على مصر بخفض تكلفة تأمين الدين إلى ما دون 4% لأول مرة منذ سنوات

علاء سبع: السوق المصري بحاجة إلى طروحات جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي

عمر مهنا: لا يجب الاعتماد على تدفقات الأموال الساخنة.. ويدعو لتخارج الدولة من الاقتصاد

ممثل صندوق النقد الدولي: مصر حققت تقدما ملموسا فى المؤشرات الاقتصادية.. وهناك حاجة لمزيد من التقدم فى برنامج الطروحات الحكومية وتنفيذ سياسة ملكية الدولة

عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية ندوة مهمة اليوم الاثنين تحت عنوان “نظرة على الأسواق المالية: الربع الثالث من عام 2025″، حيث تم عرض ومناقشة تطورات الأسواق المالية العالمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة والاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من العام الحالي، ويأتي هذا التقرير كجزء من مساعي المركز لعرض بياناته شهريًا منذ يناير 2024 بصورة ربع سنوية لفهم التشابكات المالية وتأثيراتها المحلية والإقليمية والعالمية.

المؤشر الوضع الحالي الملاحظات
سعر برميل البترول أكثر من 63 دولارًا زيادة بسبب التوترات الجيوسياسية
سعر الذهب 3845 دولارًا للأوقية مستوى تاريخي بدعم مخاوف المستثمرين
تكلفة تأمين الدين المصري أقل من 4% أول مرة منذ سنوات
احتياطي النقد الأجنبي يقترب من 50 مليار دولار مدعوم بتحويلات المصريين بالخارج
سعر الدولار الرسمي مقابل الجنيه 48-50 جنيهًا تحسن طفيف مع وجود فجوة في السوق غير الرسمية

عرض عمر الشنيطي، الشريك التنفيذي في زِلا كابيتال والاستشاري بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أبرز نتائج التقرير حيث شهدت أسعار السلع الأساسية تقلبات كبيرة، إذ ارتفع سعر برميل النفط لأكثر من 63 دولارًا نتيجة التوترات الجيوسياسية بينما سجل الذهب مستوى قياسيًا عند 3845 دولارًا للأوقية بسبب مخاوف المستثمرين. في المقابل، انخفضت أسعار الحديد بسبب تباطؤ الطلب في الصين وتحسن مستويات الإنتاج عالميًا، كما اتجهت البنوك المركزية في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لخفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع طفيف في معدلات التضخم، بهدف دعم النمو الاقتصادي، وهذا عزز من أداء أسواق المال العالمية التي سجلت مستويات قياسية.

في الأسواق الناشئة، شهد التضخم انخفاضًا في دول مثل تركيا وجنوب إفريقيا، بينما ارتفع في الهند نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء، لذلك فضّلت البنوك المركزية في هذه الاقتصادات تثبيت أسعار الفائدة انتظاراً لاتضاح السياسات الغربية، وأسواق المال في تركيا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية استفادت من تدفقات استثمارية مع تراجع تكلفة الاقتراض عالميًا، في حين واجهت بورصات الخليج ضغوطات جراء التوترات الإقليمية المستمرة بين إيران وإسرائيل.

أما في الاقتصاد المصري، بين الشنيطي أن تراجع تكلفة الاقتراض عالميا انعكس إيجابًا على السوق المصري، إذ هبطت تكلفة تأمين الدين إلى أقل من 4% لأول مرة منذ سنوات، فضلاً عن انخفاض التضخم المحلي الذي سمح للبنك المركزي بخفض أسعار الفائدة تدريجيًا، بالإضافة إلى تحسن ملحوظ في التدفقات الدولارية مدعومة بتحويلات المصريين بالخارج، ما ساهم في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي التي تقترب من 50 مليار دولار.

فيما يخص سعر صرف الجنيه أمام الدولار، شهد تحسّنًا طفيفًا مع تراجع السعر الرسمي من 50 إلى 48 جنيهًا تماشياً مع انخفاض قيمة الدولار عالميًا، لكن هناك فجوة تتراوح بين 4 إلى 5% بين السعر الرسمي والأسعار غير الرسمية، مما يستدعي متابعة دقيقة لمنع اتساع هذه الفجوة.

من جانبه، أشار الدكتور محمد فؤاد، رئيس مركز العدل لدراسات السياسات العامة، إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد انفصالاً إيقاعيًا بين الاقتصادات الكبرى، منعكسًا بوضوح على الأسواق المالية والسلعية وأسواق الدول الناشئة بما فيها مصر، موضحًا أن الولايات المتحدة تحظى بزخم استثنائي بفضل الطفرة التكنولوجية والتيسير النقدي في حين تواجه أوروبا تباطؤًا نسبيًا، بينما تعاني الصين من تحديات هيكلية متراكمة رغم حجمها الاقتصادي الضخم.

وأكد فؤاد أن تحسن الأصول الأجنبية واستقرار الاقتصاد المصري يظل مؤقتًا إذا لم يصاحبه إصلاح هيكلي عميق، مشددًا على أهمية تجاوز الضبط السعري لضمان استقرار التدفقات، فضلًا عن التصدي بحزم للإصلاحات الداعمة للتشغيل والإنتاج لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وفي سياق إعادة النشاط إلى السوق، أكد علاء الدين سبع، رئيس مجلس إدارة شركة بساطة القابضة للمدفوعات المالية، الحاجة الملحة لطروحات جديدة لجذب المستثمرين الأجانب والعرب، مستشهدًا بتجربة طرح شركة “بنيان” التي رغم عدم نجاحها بالكامل إلا أنها فتحت الباب أمام مزيد من الطروحات، خاصة الحكومية التي طال انتظارها مثل طرح بنك القاهرة، معربًا عن ضرورة تسريع هذا الملف لتعزيز الثقة وزيادة حجم التداول اليومي الذي لا يعكس حجم الاقتصاد الحقيقي.

ولفت السبع إلى أن مضاعف الربحية في سوق الأسهم المصرية منخفض جداً بنحو 8 مرات مقارنة بالأسواق الإقليمية، مما يشكل فرصة جذابة لجذب استثمارات شريطة وجود شركات جديدة كبرى للإدراج، كما انتقد الاعتماد الزائد على “الأموال الساخنة” في أدوات الدين، داعيًا لتحويل تلك الاستثمارات إلى الأسهم لتحقيق فوائد مستدامة، بالإضافة إلى ضرورة وضع استراتيجية لتطوير تحويلات المصريين بالخارج عبر تعزيز قدراتهم المهنية لزيادة الدخل وتحويلات العملة الصعبة.

وأشار شريف سامي، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق، إلى أن ارتفاع أسعار الذهب يعود إلى زيادة مشتريات البنوك المركزية في آسيا ودول أخرى، كما انتقد التركيز المفرط على صناديق الاستثمار في الذهب بمصر، واعتبرها أداة اقتصادية غير منتجة مقارنة بصناديق الأسهم وأدوات التمويل الأخرى، داعيًا لتطوير أدوات مالية مبتكرة لتحفيز تحويلات المصريين بالخارج وتحويلها إلى فرص استثمارية حقيقية.

كما شدد سامي على أهمية التحول من التركيز على المؤشرات الكلية إلى تبني سياسات قطاعية واضحة تركز على أولويات صناعية استراتيجية مثل السيارات والبتروكيماويات والأسمدة والزراعة التصديرية، معتبراً أن جذب الاستثمار الأجنبي يتطلب رؤى محددة لكل قطاع كما هو الحال في التجربة المغربية الناجحة.

من جانب آخر، قال الدكتور أليكس سيجورا-أوبيرجو، ممثل صندوق النقد الدولي في مصر، إن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة عالية من عدم اليقين نتيجة التوترات الجيوسياسية والنقاشات حول الرسوم الجمركية، وأوضح أن التراجع في التوترات المالية مؤخراً أسهم بتحسن الأوضاع في الأسواق الناشئة، مشيرًا إلى اختلاف أوضاع التضخم بين الولايات المتحدة التي تواجه ضغوطًا تضخمية، وأوروبا التي تشهد تباطؤًا، بينما بدأت اليابان تخرج من حالة الانكماش.

وأكد ممثل الصندوق أن مصر حققت تقدمًا كبيرًا منذ مارس 2024 عبر خفض التضخم من نحو 40% إلى 12%، بالإضافة إلى التزام واضح بالانضباط المالي مع تعزيز الإيرادات، وقوة ملحوظة في القطاع الخارجي بدعم تحويلات السياحة والاستثمار الأجنبي، مشيرًا إلى إصلاحات جمركية قللت مدة الإفراج عن البضائع بشكل ملحوظ مع خطط تقليلها إلى يومين خلال الأشهر المقبلة.

كما شدد على أهمية مساحة أكبر للقطاع الخاص من خلال تنفيذ سياسة ملكية الدولة لتحفيز المنافسة وجذب المستثمرين، مع التركيز على القطاعات الواعدة كالسياحة والصناعات التحويلية بفضل الموقع الجغرافي وتنافسية تكلفة العمالة، لكنه لفت إلى الحاجة لإصلاحات أعمق لتعزيز الجاذبية الاستثمارية.

وأضاف أن التوسع في برامج الحماية الاجتماعية مثل “تكافل وكرامة” أمر حيوي لدعم الفئات المحتاجة، مشيرًا إلى دعم الصندوق لإجراءات استمرار خفض التضخم وعدم رفع الأسعار، وأن البنك المركزي يدير السياسة النقدية بحكمة مع توقع استمرار خفض تدريجي لأسعار الفائدة وجذب استثمارات أجنبية مباشرة أقل تأثرًا بتقلبات الفائدة وأكثر استدامة.

وعلق عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بأن التحسن في المؤشرات الكلية جيد لكنه لا يكفي، مشددًا على ضرورة الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدلاً من تدفقات الأموال الساخنة، مع ضرورة تحسين بيئة الاستثمار وتخارج الدولة من الاقتصاد لإفساح المجال أمام القطاع الخاص وتعزيز قدرته التنافسية.

من جانبها، أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن التحسن الاقتصادي ما زال مؤقتًا بسبب وجود فجوة بين سعر الصرف الحقيقي ورسمي تعكس غياب الثقة، محذرة من خروج بعض الشركات رغم تحسن المؤشرات، وهذا يستوجب توقيف هذا النزيف، بالإضافة إلى الحاجة لتحويل التحسن الاقتصادي إلى فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة.

وأشادت بتحسين الإجراءات الجمركية كنموذج إصلاحي بنّاء يمكن البناء عليه في مجالات أخرى، وحذرت من التركيز على تحسين ترتيب مصر في التقارير الدولية باعتباره هدفًا بحد ذاته، مشددة على أن الإصلاحات الحقيقية على الأرض هي الأساس لتحقيق التقدم المرجو والعائد الإيجابي على المؤشرات الدولية.