
في عالم تتلاحق فيه الأحداث وتتصاعد وتيرتها، اختار شاب من الإسكندرية سلوك طريق مختلف. وكان يتجول بكاميرته في أزقة المدينة القديمة، باحثًا عن لحظات يتحدث عنها الصمت الذي تخلقه الصور. أطلق على نفسه لقب “صائد الكاميرا” ليكون بمثابة صياد يوثق الجمال الخفي والتاريخ المنسي للإسكندرية، ونجحت مبادرته في أن تتجسد كرسالة وطنية حظيت بتفاعل واسع من الآلاف داخل مصر وخارجها، مما ساهم في إحياء الذاكرة البصرية لمدينة تحتضن قصصًا تمتد لقرون.
يقول ياسر جابر، المعروف بلقب صائد الكاميرا، إن شغفه بالتصوير بدأ منذ طفولته باستخدام أفلام 24 و36، واستمر رغم إمكانياته المحدودة، إلى أن أتيحت له الفرصة مؤخرًا لشراء المعدات التي لطالما حلم بها. ويشير إلى أن نقطة التحول في مسيرته جاءت عندما التقط صورة لوردة صغيرة نبتت بين قضبان السكك الحديدية، والتي نالت إعجاب الجميع، بما في ذلك مديره الذي شجعه على الاستمرار. وقد أنشأ صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “صائد الكاميرا” لنشر لقطاته من شوارع وأحياء الإسكندرية القديمة، موضحًا أن هدفه لم يكن الترويج للسياحة، بل إظهار الجمال الحقيقي الذي تفتقر إليه عدسات الإعلام ومواجهة الصور النمطية السلبية عن مصر.
ويؤكد جابر أن مشروعه شهد تفاعلًا كبيرًا، خصوصًا من المصريين المقيمين بالخارج، حيث تواصلوا معه للاستفسار عن المواقع التي يصورها، وعبّر بعضهم عن رغبتهم في العودة إلى الوطن بعد رؤية صوره. كما أن بعض المتابعين طلبوا منه أن يكون دليلهم السياحي خلال زيارتهم للإسكندرية. ويشير إلى أن اهتمامه لا يقتصر على الصور الجمالية فقط، بل يشمل أيضًا توثيق الذاكرة التاريخية للمدينة، حيث التقط صورًا لمنازل وشوارع ترتبط بفنانين مشهورين مثل سناء جميل، ويوسف السباعي، وصباح، وفيروز. ويقول: “رأيت أن دوري هو توثيق الأماكن والحارات التي لم تنتبه إليها أعين الكثيرين”.
ويوضح جابر أنه يسعى لتوثيق المعالم القديمة قبل أن تندثر بفعل عوامل التعرية والتوسع العمراني، منوهًا بأن عائلته تدعمه رغم مخاوفهم على صحته بعد إجرائه لعملية تركيب دعامة في القلب. ولكنه لا يزال مستمرًا في مشروعه، ويتذكر موقفًا طريفًا عندما قال له طفل في البحر: “أنت صائد الكاميرا؟ أنا وماما نتابعك”. ويؤكد أنه لا يلتفت للتعليقات السلبية غير البناءة، حيث يرى أن الإبداع في التصوير يعتمد على زاوية الرؤية، مشيرًا إلى أنه قد يرى في زجاجة عادية لقطة فنية من منظور مختلف.
وفي ختام حديثه، عبّر جابر عن رغبة في تنظيم جولات تصويرية لعشاق الفن، ليأخذهم في رحلات عبر شوارع النبي دانيال وبحري، مؤكدًا أن بعض المتابعين يزورون المواقع التي يصورها خصيصًا، ليعيشوا اللحظات التي التقطها بعدسته.